ما هو دافع الانجاز؟
من الموضوعات الأساسية التي اهتم بفحصها وقياسها الباحثون في علم نفس الشخصية وعلم النفس الاجتماعي، والمهتمون بالتحصيل الدراسي والأداء بشكل عام، نجد موضوع الدافعية للانجاز للنظر إلى الإنجاز بأنه المكوّن الأساسي في سعي الفرد اتجاه تحقيق ذاته، حيث يشعر بتحقيق ذاته من خلال ما ينجز وفيما يحققه من أهداف، وتلقت الدافعية للإنجاز النصيب الأكبر من البحث عن باقي الدوافع.
|
العوامل المؤثرة في الدافعية للإنجاز لدى المتعلمين |
باعتبارها حالة متميزة من الدافعية العامة، وهي مجموعة من الطموحات والرغبات التي تحفز الفرد للعمل والمثابرة، وتجعله يتصف بسمات تميزه عن الآخرين وذلك بتدخل محددات مؤثرة فيه تجعله يختلف عن الآخرين والتي لها دور في تحفيز الفرد للتحصيل ومواجهة الصعاب وإتقان المهام والأعمال، ومنافسة الآخرين والمواقف التي تواجهه سعيا للوصول إلى التفوق والنجاح.
الدافع للإنجاز والمتغيرات العقلية المعرفية
وتوضح مراجعات البحوث الخاصة بالعلاقة بين الذكاء والدافع للإنجاز وجود ارتباطات دالة بينها في مراحل التعليم المختلفة. وفيما يتعلق بأهمية القدرات والمهارات الإبداعية وعلاقتها بالدافع للإنجاز، فقد أوضح العديد من الدراسات الخاصة بالأطفال والمراهقين والراشدين المبدعين، أن القدرات الإبداعية ضرورية للإنجاز الإبداعي المرتفع.
وعلى جانب آخر، أوضحت بعض البحوث أنه لا توجد علاقة دالة بين الدافع للإنجاز ونسبة الذكاء أو تقديرات المفحوصين في أية اختبارات أخرى تقيس القدرة العقلية العامة، ومن بين الأسباب التي طرحها الباحثون هو أن اختبارات الإنجاز والدافع للإنجاز دائما تختلف في صدق المحتوى من مجال لآخر ومن مدرسة لأخرى، ومن ثم فإن العلاقة غير المرتفعة بين الإنجاز أو الدافع للإنجاز والذكاء، يمكن أن تقلل من الصدق التنبؤي لنسبة الذكاء بالإنجاز أو بالدفع للإنجاز.
الدافع للإنجاز والمتغيرات النفسية
تعددت البحوث والدراسات التي تناولت المتغيرات النفسية في علاقتها بالدافعية للإنجاز، لذا نذكر على سبيل المثال لا الحصر البعض منها كالقلق، وتقدير الذات ومركز التحكم وهي كالتالي:
- من البحوث التي درست العلاقة بين الدافعية للإنجاز والقلق نجد دراسات سيمونس وبيب (Simons et Bibb, 1974) ووايد (Wade, 1981) ، وأوبنهيمر وآخرون، (Oppenheimer et al, 1986)، ولوثنباشر وفورنر (Luthenbacher et Forner, 1990)، وأشرف أحمد عبد القادر سنة1990 ، ورشاد علي عبد العزيز موسى سنة 1994 .
- من البحوث والدراسات التي تناولت العلاقة بين الدافعية للإنجاز وتقدير الذات نجد دراسة ويلز (1995) التي كشفت نتائجها أن الطلبة ذوو تقدير الذات المرتفع والمنخفض أظهروا درجات مرتفعة في دافعية الإنجاز، كما أظهرت وجود علاقة ارتباطية بين تقدير الذات ودافعية الإنجاز.
- أما الدراسات التي تناولت العلاقة بين الدافعية للإنجاز ومركز التحكم فنجد دراسة روتر(Rotter,1966) ودراسة جولد ( (Gold 1968 ودراسة نويكي وولكر (Nowicki et Walker, 1973) وبار-تال وبار-زوهار (Bar Tal et Bar-Zohar, 1977) ، وأوجو روجلو ووالبرج (1979 ROGLU et Walberg,. (UGU وتجدر الإشارة أن نتائج هذه البحوث والدراسات –التي تناولت هذه المتغيرات النفسية في علاقتها بالدافع للإنجاز- كانت متضاربة بحيث وجد بعضها ارتباطا إيجابيا، في حين توصل البعض الآخر إلى وجود ارتباط سلبي، والتضارب في النتائج يمكن اعتباره مؤشرا واضحا للمزيد من البحث في هذا اﻟﻤﺠال لإيجاد تفسير موضوعي لها.
الدافعية للانجاز وممارسة التنشئة الاجتماعية
يرى ماكليلاند وآخرون إلى أن الدافعية للانجاز في مجتمع ما ترتبط بالبناء القيمي السائد في هذا المجتمع، حيث أن هذا البناء يحدد لأفراد المجتمع ما يستهدفونه في سلوكياتهم وما يسعون لتحقيقه.
وهكذا فعندما ينظر المجتمع إلى قيم الانجاز كقيم عليا يسعى إليها ويحرص عليها فإن ذلك يستتبعه أن يعمل على نقل هذه القيم وما يرتبط بها من حاجات إلى أبنائه ويتخذ من نشاطاتها محورا للثواب والعقاب تجاه هؤلاء الأبناء.
وافترض الباحثان روزن وداندر(Rosen et D’andrade, 1959) أن الدافعية للإنجاز تكون ناتجا لممارسات التنشئة الاجتماعية مثل التدريب على الإنجاز ويقصد به أن الوالدين يفرضون أهدافا مرتفعة على أبنائهم من أجل انجازها ويفرضون عليهم أيضا معايير الامتياز خاصة عند انجاز المطالب، والتدريب على الاستقلال، ويقصد بها أن الوالدين يتوقعون من أبنائهم أن يكونوا أكثر اعتمادا على أنفسهم ويتمتعون بقدر من الاستقلال خاصة في المواقف المتضمنة اتخاذ القرارات.
الدافع للإنجاز والممارسات الوالدية للثواب والعقاب
تعتبر المؤثرات الوالدية المحدد الحاسم في نمو الدافعية للنجاز لدى الطفل الصغير. فيرى سنجر وسنجر (Singer et Singer, 1969) أن آباء الاطفال ذوي الحاجة المرتفعة للانجاز يميلون الى أن يكونو نماذج من الناس تنخرط غالبا في سلوك انجازي. وهم بذلك يضعون لأبنائهم أهدافا للتفوق والامتياز ويثيبوهم على التقدم نحو هذه الاهداف، ويعاقبونهم على الاخفاق.
يرى ماكليلاند أن اكتساب الدافع للإنجاز يتم بواسطة الارتباط بين خبرات مؤثرة وأنواع معينة من السلوك التي تتصف بالتنافسية والإنجاز الجيد والسرعة في أدائه وأن هذه الخبرات التي هي نتيجة المكونات الانفعالية الإيجابية أو السلبية تثار بالثواب أو بالعقاب. فالمعززات الإيجابية ترفع من الدافع للإنجاز، بينما السلبية منها تخفضه وتعرقل نموه وتكوينه بصفة واضحة.
وتشير دراسة الشماع (1977) إلى أن الدافع للنجاح ينمو عندما تثيب الأم ابنها عند نجاحه وتكون استجابتها محايدة في حالة فشله، أما دافع الخوف من الفشل فيتكون في الحالات التي تستجيب فيها الأم بالحياد عند نجاح الطفل، وبالعقاب في حالة الفشل. وإن التدعيم الإيجابي الذي يقدمه الوالدان لأطفالهما هو تعزيز لتكوين دافع قوي للإنجاز خاصة إذا كانت السلوكات المدعمة تتسم بالمنافسة والسرعة والجدية في الانجاز.
العوامل الاجتماعية والاقتصادية والدافعية للإنجاز
لقد أظهرت الدراسات أن الدافع للإنجاز يختلف من مجتمع لآخر طبقا لنوع الثقافة أو الحضارة السائدة في المجتمع باعتبار أن الحضارة تقوم بدور أساسي في تشكيل الظواهر النفسية المختلفة. ويتضمن الدافع للإنجاز الأداء في ضل معايير التفوق، وهي معايير يكتسبها الطفل من ثقافته، وبشكل أكثر كممثلين لهذه الثقافة.إذ تشير نتائج الدراسات الارتقائية التي أجريت في مجال الدافع للإنجاز، إلى أنه تعبير اجتماعي عن المعايير والقيم التي اكتسبها خلال تنشئته الاجتماعية من جهة، وتلك التي تحكم معايير النجاح والامتياز في المجتمع من جهة أخرى.
وقد أكد ماكليلاند ((Mcclelland,1961 أن أي مجتمع يركز على قيم التفاني في العمل والانضباط واستقلالية الفرد سيشجع السلوك الإنجازي. ونجد أن اليابان في بناء اقتصادها اعتمدت على تعزيز قيم التفاني في العمل وبذل الجهد والانضباط لدى أبنائها كما أكد شيمهارا (Shimahara, 1986).
كما أظهرت بعض الدراسات أن الحالة الاقتصادية والثقافية للوالدين تلعب دورا حيويا في هذا المجال وقد لوحظ أن بعض الأطفال الذين هم دون سن المدرسة سوف ينمون دافعية عالية للإنجاز في الأنشطة ذات القيمة عند آبائهم وأمهاتهم.
العوامل المدرسية والدافعية للإنجاز
أوضحت دراسات عديدة أن النجاح والفشل المدرسي يؤثران في الطريقة التي ينظر بها الطلاب الى أنفسهم. فالطلاب ذوو الانجاز المرتفع من المحتمل أن يطورو مشاعر إيجابية عن ذواتهم وقدراتهم والعكس صحيح بالنسبة لذوي الانجاز المنخفض، كما أن تقويم المدرسين لطلابهم وأساليب التفاعل معهم لها أثر في اكتساب الدافعية للانجاز وتعلمها وتشكل مفهوم الذات.
فقد يعامل المدرسون طالبا معينا على أنه بليد عاجز عن الفهم والانجاز ومجارات زملائه في الفصل، وهذا يولد عند الطالب انطباعا مؤداه أنه فاشل وعاجز ثم يتصرف وفق هذا السياق، وفي الوقت نفسه يلجأ هؤلاء المدرسون الى إهمال هذا الطالب وعدم تشجيعه وإثارة دافعيته للانجاز أو يزودونه بخبرات سهلة تكفل له النجاح ويعقونه من المشاركة الجادة. ومع التكرار يشعر الطالب أنه فاشل ويتصرف في ضوء هذا المفهوم.
ولقد أشارت دراسات مفاريش (Mevarech, 1985) وعواطف علي شعير ومحمود عبد الحليم منسي سنة 1988 وهاربر ولوبز (Harper et Lopez, 1990) ، وكلين وآخرون ((Klein et al, 1990 إلى أثر بعض أساليب التدريس في الرفع من الدافعية للتعلم.